الحياة برس - بقلم: اساف اغمون


يوم الغفران 1973 نقش في تاريخ الدولة كحادث مؤسس – فشل عظيم أدى الى ضحايا كثيرة، اضرار كبيرة واهتزاز صورة اسرائيل ومناعتها القومية.
الحرب لم تأت من فشل منفرد، لقد جاءت نتيجة سلسلة من الفشل، من انغلاق الزعماء – سواء السياسيين أو العسكريين – ومن جو اللامبالاة والعجرفة التي منعت رؤية الحقائق وقراءة علامات التحذير. لجان تحقيق، تحقيقات واستخلاص عبر عامة وشخصية، جرت في اعقاب تلك الحرب البائسة، التي أدت في نهاية الامر الى انقلاب تاريخي في السلطة.
في هذه الايام نحن نوجد في ذروة عملية مركبة من سلسلة من حالات الفشل، ممارسة سياسية خاطئة، ومرة اخرى – انغلاق وعجرفة من قبل القادة. وهذه تؤدي الى فشل بحجم حرب يوم الغفران، وهذه المرة في المجال الاستراتيجي، الذي هو كارثي أكثر.
منذ أكثر من ست سنوات تجري حرب اهلية في سوريا. الدولة التي تعتبر حلقة مركزية فيما سمي “محور الشر” (ايران، سوريا، حزب الله وحماس) مزقت بين المتمردين على نظام الاسد والمنظمات الجهادية والقوات الكردية وغيرها، الذين يواجهون الجيش السوري المخلص للنظام والمدعوم بمساعدة روسية (في الاساس جوية)، وقوات من حرس الثورة الايراني، ومقاتلي حزب الله من لبنان.
منذ اندلاع اعمال العنف، اتبعت اسرائيل سياسة عدم اتخاذ موقف وعدم التدخل فيما يجري في سوريا، باستثناء انحراف نيران الى داخل حدودها. في هذه الحالات رد جيش الدفاع بصورة موضعية على المنطقة التي اطلقت منها النار، حتى لو كان الامر بالخطأ. حكومة اسرائيل اعلنت أنه في كل الاحوال هي لن تسمح بنقل وسائل قتالية نوعية من سوريا الى لبنان، لأن هذه الوسائل ستصعب على جيش الدفاع مواجهة حزب الله في جبهة لبنان. طوال الوقت تم تنفيذ عمليات موضعية امام التهديدات التي اعتبرت ذات امكانية كامنة عالية، مثل مصانع لانتاج الصواريخ، انظمة مضادة للطائرات متطورة وما أشبه. حكومة اسرائيل تتفاخر (احيانا دون الاعتراف علنا بذلك) بهذه العمليات، وفي الاساس العمليات التي نفذت من قبل سلاح الجو. ولكن واضح للجميع أن سلاح البحرية وقوات خاصة اخرى نفذت وتنفذ عمليات وقائية في سوريا وحدودها. ان نجاح هذه العمليات يخلق شعور بالسيطرة على الوضع، تفوق عسكري وثقة بوضعنا الاستراتيجي، الامر الذي يذكر بالشعور (المضلل) عشية حرب يوم الغفران.
قرار اسرائيل عدم التدخل، واكثر من ذلك عدم النشاط السياسي في العالم، خاصة في الدول العربية، ازاء نظام الاسد، خلق فراغ دخلت اليه روسيا بحكمة كبيرة. روسيا التي رأت دائما في الشرق الاوسط، ولا سيما في سوريا، موقعا استراتيجيا من الدرجة الاولى، قرأت الخارطة جيدا وأقامت قاعدة بحرية استراتيجية في اللاذقية، وقاعدة جوية استراتيجية في حميميم. وفي هذه القواعد نشرت طائرات متطورة، انظمة دفاع جوية من الاكثر تطورا في العالم، وانظمة اتصالات واستخبارات. من هناك تنطلق القوات الروسية لتنفيذ عمليات مساعدة لجيش الاسد، وفعليا غيروا ميزان القوى لصالح الاسد الذي كان نظامه على وشك السقوط.
قوات ايرانية سارعت الى الدخول الى الاراضي السورية. وهي تقوم بزيادة حجم القوات هناك، ويزيدون مساحة المناطق التي توجد تحت نفوذهم. روسيا قررت أن دعم ايران يخدم مصالحها، لهذا من الواضح أن نشاطها في المنطقة يتناقض مع مصالحنا. على هذه الخلفية فان تصريح رئيس الحكومة نتنياهو في لقائه مع وزير الخارجية الروسي في 1996 بأنه سيكون مسرورا برؤية روسيا تعود للعب دور مركزي في الشرق الاوسط، يبدو اليوم تصريحا غريبا. روسيا تحقق الآن نتائج استراتيجية، ولها علاقة بصورتها في العالم في منطقتنا بصورة اكثر مما توقعت حتى في احلامها الاكثر وردية. لقد تحقق ذلك على ضوء سياسة الولايات المتحدة التي انسحبت من التدخل في سوريا، وفي اعقاب عدد من حالات الفشل الاسرائيلية، سواء في المجال السياسي أو العسكري أو الاعلامي.
روسيا دخلت الى المنطقة من اجل أن تبقى هنا لسنوات كثيرة. إن رصيدها الاستخباري والاستراتيجي اوصلاها الى هذا الوضع، الذي فيه اي اتفاق يخص سوريا ومحيطها لا يمكن أن يتم بدون موافقة كاملة وتدخل منها. هذا أدى الى أن ايران حصلت على “يد حرة” وتحولت الى راعي سوريا الاول. فعليا، طهران هي التي تقرر السياسة في سوريا. حزب الله سيعمل دائما تحت إمرة الاسد، لكن التعليمات والتوجيهات يتلقاها من ايران.
وما الذي تفعله حكومة اسرائيل؟ خلال فترة طويلة هي تسعى بدون نجاح الى الغاء الاتفاق النووي مع ايران. اسرائيل تدين الاتفاق النووي في كل مكان، وفي الاساس في الولايات المتحدة – هناك حتى خطب نتنياهو في الكونغرس ضد الرئيس الامريكي السابق براك اوباما. مشاركة ايران في تقديم مساعدة مباشرة وغير مباشرة للارهاب في منطقتنا، وتوسعها الى داخل سوريا وتهديد الدول المعتدلة في المنطقة، ليست موجودة في سلم أولويات الحكومة، لا في العمليات العسكرية ولا في النشاطات السياسية، لا في الولايات المتحدة، وبالتأكيد ليس امام روسيا.
وما هو المغزى الاستراتيجي لهذه التطورات؟ قوات ايرانية أو قوات خاضعة لايران، تتموضع على حدود اسرائيل في هضبة الجولان. وهكذا يتم تحقيق اتصال عملي كامل بين القوات العاملة ضدنا من الحدود اللبنانية وبين القوات التي تقف امامنا في هضبة الجولان. وبسرعة ستضع ايران في سوريا قاذفات صواريخ وقذائف ستوجه الى المناطق الاسرائيلية. هذا يتناسب مع سياستها التي تقول إن تدمير اسرائيل يأتي بعد أن يتم احاطتها بمواقع اطلاق صواريخ وقذائف. وكل هذا يتم تحت مظلة جوية واستراتيجية روسية، التي يمكنها تقييد نشاطات جيش الدفاع الاسرائيلي (لا سيما من الجو). وقوفنا مكتوفي الايدي في زيارات المجاملة عديمة أي تأثير عملي لرئيس حكومتنا لدى بوتين، بنقص التنسيق مع السياسة الامريكية في المنطقة – اسرائيل تبث لروسيا بأنها تستطيع مواصلة هذا التوجه، وايران ستحسن استغلال ذلك. وضعنا الاستراتيجي سيستمر في التدهور، الى درجة أن نكون مرتبطين باستعداد الولايات المتحدة للمحاربة من اجلنا أو أن تمنحنا غطاء مهددا امام التدخل الروسي أو الايراني – هذا امر لا يمكنني أن أبني عليه أمننا القومي.
يجب أن نعترف أننا نوجد في حالة طواريء استراتيجية، يجب أن نفهم أن الحلقة الضعيفة في هذه السلسلة المهددة ما زالت نظام الاسد. يمكن ضعضعة مكانته، وسيطرته على مقدرات استراتيجية معينة، المس بالبنى التحتية الحيوية لديه واثارة الرأي العام العالمي ضد أحد كبار مجرمي الحرب في هذا القرن. من اجل ذلك يجب التوقف عن الجولات العبثية وعن الخطابات عديمة الجدوى ضد الاتفاق مع ايران امام جهات ليست لها اي قدرة على التاثير. بعد ذلك يجب البدء في اجراء اتصالات سرية مع شركائنا الاستراتيجيين – الدول العربية المعتدلة والعالم الحر وعلى رأسه الولايات المتحدة. نعم، هذا يجبرنا على الاصغاء لهم ايضا، لكن يحظر علينا تجاهل التهديد المتزايد امامنا.


عميد احتياط في سلاح الجو
هآرتس 28/9/2017

calendar_month28/09/2017 05:21 pm